أهم الأخبارمحليات

الحكومة امام خيارات الإصلاح الشامل او الانتقائي

  • الحكومة امام خيارات الإصلاح الشامل او الانتقائي

  • ترتيب الكويت في مؤشر الفساد الدولي ارتفع بنحو 43 مرتبة خلال 15 عاما الاخيرة

  • توقعات بانخفاض النمو الاقتصادي بسبب التوترات السياسية الداخلية والجيوسياسية الإقليمية

  • توقع تباطؤ وتيرة التقدم في انجاز المشروعات التنموية بسبب التجاذبات السياسية

  • تراكم التحديات بدون حلول يرهق مستقبل العمل الحكومي

 

22 نوفمبر 2019

قسم أبحاث مركز (MenaCC)

ملخص التقرير : اصلاح اداري ضخم ورفع درجة الصرامة في الرقابة على الانفاق العام، هذه أكثر الأولويات الجديدة المتوقعة للحكومة الكويتية المقبلة على المدى القريب. هذه الأولويات وان كانت ستهدف لتعزيز شفافية العمل الحكومي الا أنها قد تضع الحكومة المقبلة أمام مفترق طرق، حيث من المحتمل أن تقف أمام خيارات مختلفة اما القيام بإصلاح شامل ينقذ مستقبل النمو المتراجع وقد يجد جزء منه معارضة نيابية، أو الاكتفاء بإصلاح انتقائي مدعوم من مجلس الأمة في مجالات معينة للإيفاء بتطلعات شعبية وقتية كمحاربة الفساد وحسم حلول لقضايا عالقة كقضية الإسكان والقروض والمتقاعدين والتوظيف وسياسات الدعم وتعزيز افق السلم الاجتماعي بحسم قضية “البدون”. الا أن طريق تنفيذ هذه الأولويات الشعبية والتي ستتطلب مزيدا من الانفاق الحكومي قد تواجه على غرار السنوات الماضية عثرات مختلفة أبرزها توقع زيادة حدة التباين الحكومي النيابي حول تصورات حسمها.

وحسب رصد لمركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC) لمستقبل التحديات التي تواجه الحكومة الكويتية الجديدة، فان القيام بإصلاح اداري متوقع يحد من ثغرات الهدر وضعف الأداء الحكومي سيتطلب جهدا ضخما للتدقيق والرقابة على جل المؤسسات والمرافق العامة وقد يشمل تغييرا ولو محدودا في الإدارة بهدف تحسين كفاءتها. ومن المرجح أن يترتب عن هذا الإصلاح المحتمل مواجهة تحد ضخم. هذا التحدي يتمثل في تباطؤ محتمل لسرعة تقدم انجاز مشروعات تنموية كبرى تشهد بدورها تأخيرا في آجال الإنجاز. ويرجع رصد هذا التباطؤ لترجيح زيادة التدقيق الرقابي في اجراءات تنفيذ المشروعات بهدف ضبط مواطن هدر المال العام على مستوى الميزانيات المخصصة لها والتدقيق في مواصفات الأشغال المنجزة. فضلاً عن رقابة لاحقة من مجلس الأمة خاصة حول جدوى بعض المشاريع التي ماتزال موضوع جدل حكومي نيابي.

وفي ظل الإصلاح المتوقع من المرجح أن تتقدم أولوية محاربة الفساد في أجندة عمل الحكومة الكويتية المقبلة. وسيدعم ذلك رغبة الكويت في تدارك الترتيب الدولي المتأخر في مؤشر الفساد، حيث صعد ترتيب الكويت الى مرتبة 78 بين مصاف الدول المسجلة للفساد في 2018 مقارنة بمرتبة 35 في 2003 بين الدول التي تشهد انتشارا محدودا للفساد حسب تصنيف منظمة العفو الدولية1.

وان ستدعم جهود الحكومة في مكافحة الفساد تعزز بيئة الأعمال في البلاد وشفافية التعاملات، الا أن هذه الجهود قد لا تثمر على المدى القريب حيث يتطلب ذلك اصلاحاً عميقا للاختلالات والذي من المرجح أن يستغرق سنوات بسبب تعثر الاستقرار السياسي وتجذر البيروقراطية الادارية.

توقعات بانخفاض النمو الاقتصادي بسبب التوترات السياسية الداخلية والجيوسياسية الإقليمية

رصد المركز تداخلاً كبيرا بين أدوار المتدخلين في السياسة والاقتصاد أفرز تباينا حول تحديد أولويات التنمية وتنفيذها. اذ أن مشاريع كثيرة تعثرت أو هي معطلة بسبب انسجام محدود بين الآراء الاقتصادية الفنية وبين الرؤى وتقييمات رجال السياسة. حيث يبرز الخلاف الى اليوم بين الرؤى النيابية والحكومية حول آليات النهضة الاقتصادية وهو ما يؤثر سلباً على توقعات النمو الاقتصادي2 التي من المرجح ان تنخفض بحلول 2020 بفعل عدم اليقين السياسي وارتباط الإيرادات بشكل كبير على أسعار النفط المتقلبة. كما من المرجح ان يستمر الخلاف في التسبب في بطء تنفيذ سياسة تنويع إيرادات الاقتصاد مقارنة بدول الخليج الأخرى. ويمثل عدم اليقين بشأن أسعار النفط والتخفيضات المحتملة في إنتاج أوبك، بالإضافة إلى التوترات السياسية الداخلية والجيوسياسية الإقليمية، مخاطر سلبية على توقعات نمو اقتصاد الكويت وهو ما سيكون تحد حقيقي للحكومة على المدى القريب.

ومن أهم تحديات الحكومات الكويتية المقبلة هي احتمالات عودة مخاطر تأزم سياسي3 قد يكون سببه الاختلاف الحكومي النيابي حول خيارات الإصلاح وأولويات مسارات التنمية الاقتصادية، حيث ماتزال قوى نيابية في مجلس الامة معارضة لعدد من الإصلاحات الاقتصادية بحجة أنها غير شعبية. وبذلك فقد تكون جهود الإصلاح الشامل مضنية ومتعثرة خاصة على مستوى الإصلاح الإداري والوظيفي والتشجيع على العمل في القطاع الخاص والخصخصة وتقليص الدعم من اجل تنويع إيرادات البلاد.

على صعيد آخر، فانه في حال استجابة الحكومة لحسم قضايا شعبية راهنة فقد يتطلب ذلك جهدا مضاعفاً قد يستهلك وقتا كبيرا من العمل الحكومي، الا أنه قد يخفف العبء على الحكومات المقبلة ويمهد الطريق لتعزز مناخ الإصلاح الشامل. فان لم تحسم الحكومة والمجلس عددا من القضايا كإصلاح التعليم والتركيبة السكانية والإسكان والإصلاح الإداري والوظيفي والتامين وقضايا تمس بالسلم الاجتماعي كقضية البدون، قد تجد الحكومات الكويتية المقبلة عوائق أكبر تكبل وتيرة تنفيذ رؤية التنمية المستقبلية.

ويتوقع رصد المركز أن يكون هناك توافق حذر على الأولويات المستحقة للفترة المقبلة على المدى القريب والمتوسط بين الحكومة والبرلمان. اذ تدرك الحكومة اعتماد البلاد المفرط على النفط وضرورة تنويع إيرادات الدولة، ضرورة تبقى من أولويات الحكومة حتى وان لم تعد ملحة بعد تراجع الضغوط التقشفية. في المقابل يركز مجلس الامة على حل قضايا هيكلية متراكمة تهم حياة الموطنين. وفي حين أجرت الحكومات المتعاقبة تحليلاً شاملاً لمشكلات التنمية المستقبلية وأطلقت خطة متعددة الجوانب تهدف إلى معالجة الاختلالات وتصحيحها، وتنويع الاقتصاد لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل، تبقى احتمالات دعمها تشريعيا على المدى القريب نسبية. في هذا السياق، تتوخى خطة التنمية إجراء تغييرات وتحسينات كمية ونوعية عبر مجموعة من المجالات مجمعة تحت ثلاثة محاور رئيسية هي: التنمية الاقتصادية، التنمية البشرية والاجتماعية، الإدارة والتنظيم والتخطيط. وينصب التركيز الرئيسي للخطة على ضمان تنويع الاقتصاد والتحول الكمي من القطاع العام إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة في جميع المجالات4. لكنه تحول قد يستمر في اثارة الحساسية المفرطة بين الحكومة ومجلس الامة.

ويتطلب تنفيذ التحول المنشود في خطة التنمية والإصلاح الشامل بشكل حاسم وجود إجماع وطني ومواءمة حول كيفية معالجة الوضع الحالي5. فإصلاح الحكومات يتطلب التزاما سياسيا مستمرا وثابتا. وعلى عكس دول أخرى، فإن اشتراط توافق حكومي ونيابي على تمرير وتنفيذ القرارات في الكويت يساعد في إرساء أساس متين ودائم لأي قرار يتم اتخاذه، إلا أن التقدم في المبادرات الوطنية قد يأتي بتكلفة وأبرزها التأخير في الانجاز. فمن أجل الوصول إلى موافقة موحدة، لا يحتاج المسؤولون فقط إلى التواصل بشكل استباقي مع مختلف أصحاب المصلحة الحكوميين، ولكن أيضًا يحتاجون الى ضمان توافق وتعاون مثمر بين المؤسسات ومجلس الأمة.

توقع تباطؤ وتيرة التقدم في انجاز المشروعات التنموية بسبب التجاذبات السياسية

تتميز الكويت بالتطور السريع الذي تم تسجيله خلال آخر ثلاثين عامًا، مع إنجازات استثنائية في مختلف المجالات: المالية والاجتماعية والتعليمية والبناء. وقد تأثر انجاز عدد من المشروعات الكبرى في الكويت بمجموعة من العوامل في السنوات الاخيرة، مما أدى إلى انخفاض وتيرة الانجاز. ومن المقرر أن يؤدي انخفاض وتيرة الإنجاز في ظل استقرار سياسي حذر واشكاليات بيروقراطية الى توقع تأخر آجال تنفيذ رؤية الكويت التنموية. حيث يؤثر عامل الاستقرار الداخلي بشكل كبير على ثقة المستثمر في الكويت، وبفعل ذلك وبسبب عوامل أخرى مثل زيادة الضغط على العمال الوافدين الذي هاجر عدد منهم هناك مخاطر احتمالات إلغاء أو تأجيل بعض مشاريع البنية التحتية حتى تعود الثقة6 بين المستثمرين في بيئة العمل.

ومن المتوقع ان تتباطأ وتيرة سرعة انجاز المشروعات الكبرى في ظل توقع زيادة اصلاح اداري في المؤسسات الكويتية وبينها المسؤولة عن الاشراف على مشاريع التنمية، كما من المرجح ان يعود توقع بطء سرعة انجاز المشروعات لأسباب أخرى تتعلق بتأثير تعثر العمل الحكومي بسبب تعدد الاستقالات الحكومية في السنوات الاخيرة واختلاف سبل الإدارة بتغير القياديين، الى ذلك يبرز مؤشر تداخل المؤثرات السياسية المحلية غير المستقرة في بيئة الاعمال وثقة المستثمرين وان كان وقتيا، الا ان أي اصلاح جذري مرتقب خصوصا على مستوى دعم الشفافية وتقليص الإجراءات البيروقراطية قد يدعم مستقبلا ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في بيئة الاعمال الكويتية.

وتواجه الكويت احتمالات التأخر خليجياً على مستوى آجال انجاز مشروعات رؤى التنمية المستقبلية. ويبدو ان تراكم التأخير في انجاز المشاريع7. وتواجه رؤية الكويت 2035 احتمالات تأخر اجال تنفيذها وتسليمها بسبب تراكمات تعثر الحكومة والبرلمان في اعتماد رؤية منسجمة على مستوى التشريعات والإدارة والتوصيات والخطط.

كما ان التوترات السياسية الداخلية قد تعيق مسار التحول الفكري والإداري والتجاري الذي من المفروض بلوغه في ظل الرؤية المستقبلية. الى ذلك فان تغير نمط الاقتصاد الكويتي من اقتصادي ريعي الى اقتصاد ليبرالي منفتح قد يتأخر إنجازه بسبب عدم تسجيل تغيير في نمط العمل الوظيفي الحكومي واليات تقيم الأداء على الرغم من سياسات حكومية محدودة تدعم ذلك توازيا مع مسار توطين الوظائف في العمل الحكومي. الا ان هذا التوطين ما يزال مصطدما بنقص كبير في الكفاءات.

وتسجل الكويت من بين الأكثر الدول الخليجية التي لا تعول بالدرجة الأولى على الكفاءات في الإدارات العليا بقدر استمرار الاعتماد على العمالة متوسطة ومحدودة المهارة في حين تستمر شركات كويتية في جلب عمالة نسبة هامة منها غير كفؤة من اجل العمل وعمالة اخرى تأتي من اجل العمل الوهمي. الى ذلك برهنت نتائج تجربة المشروعات الصغيرة المحدودة في الكويت مواطن الضعف في خلق اقتصاد وطني موزاي للاقتصاد التي يهمين عليه القطاع العام والنسيج العائلي.

تراكم التحديات بدون حلول ترهق مستقبل العمل الحكومي

من المرجح أن تنخفض توقعات نمو الأنشطة غير النفطية من جهة، وافاق انجاز مشاريع التنمية من جهة أخرى بسبب عدم الاستقرار السياسي والتعثر الحكومي في حل قضايا تراكمت في عهد الحكومات السابقة وباتت تثقل كاهل الروتين البيروقراطي الحكومي الذي يعطل من فاعلية الإنجاز الحكومي بسبب البطء في الأداء والانجاز والتأخير والتأجيل المستمر. هذا التأخير المستمر وتأجيل حسم القضايا العالقة يمثل عثرة امام تحسن أداء الحكومة والايفاء بتعهداتها ومشاريع التنمية.

اذ تعاني الإدارة في القطاع العام الحكومي الكويتي من نقص التخصص والكفاءات على مستوى الإدارات، حيث يستمر نموذج الترقيات في السلم الوظيفي عموما حسب التقادم والخبرة. وهو ما ينعكس سلبا على محدودية جودة الأداء الحكومي. كما يبرز تحدي التعويل على نسبة من الخبرات الاستشارية اما غير كويتية او ناقصة للخبرة او متقدمة في السن غير مواكبة للتطور.

وفي حين تتقدم دول خليجية في تنويع اقتصاداتها وايراداتها تأخرت خطوات الكويت في اتجاه ذلك وتراخت التدابير الحكومية في الوصول الى هدف تنويع إيرادات الدولة مع تعافي التدريجي لأسعار النفط. ما يجعل الدولة غير مضطرة لتطبيق إجراءات تقشف جديدة في مقابل استمرار تعويلها بنسبة 90 في المئة على إيرادات النفط دون افاق ومسار واضح لتنويعها مع الاكتفاء بزيادة تفعيل تجربة الاستثمارات الأجنبية من خلال هيئة العامة للاستثمار.

وقد تأخرت الكويت أيضا في مؤشر رفع كفاءة القدرات البشرية خاصة على مستوى العلوم واللغات. وبذلك فان هناك مواطن قصور وتحديات جدية على مستوى الكفاءة التعليمية والادارية لنسبة من اجيال المستقبل.

الى ذلك برزت بشكل كبير مواطن قصور كبيرة في تحسين البني التحتية التي تبين وجود خلل كبير بها باتت تتأثر خاصة بفصل الشتاء والذي بات غير تقليدي في الكويت وفي دول الخليج وتصاحبه تغيرات مناخية شديدة تهدد جزءا كبير من البني التحتية القديمة التي قد تواجه مجددا تهديد الفيضانات والعواصف والسيول.

وتواجه الكويت أيضا مشكلات ضخمة على مستوى البيئة والتي تأثرت بشكل كبير بسبب نقص مجهود التنويع البيئي وتعزيزها من اجل تقليص تأثيرات تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري التي بدأت بشكل مستمر في التأثير على مناخ الكويت وبيئتها، وحتى على الثروات البشرية والحيوانية.

وتواجه الكويت أيضا تحديات على مستوى التركيبة السكانية التي عجزت الحكومات منذ أكثر من ربع قرن على التخفيف من حدتها، تماما مثل مشكلة محدودية الأراضي الصالحة للسكن والتي تعاني ندرة مع الازدحام السكاني المتفاقم.

الى ذلك تواجه الكويت تحديات مقلقة على مستوى تهديدات السلم الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق بتعثر الحلول لمواجهة ازمة متنامية ككرة الثلج وهي ازمة البدون أو غير محددي الجنسية. وبات تأخر حلها يضخم من عدد البدون الذين قد يبلغون نحو ربع مليون في افق 2025 -2030 بالنظر لمتوسط معدلات النمو الديمغرافي بينهم. ومثل هذه الإشكاليات تفاقم تركة مشاكل الحكومات المقبلة وتضعف من إمكانية الحل.

 

المصدر: مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية (MenaCC)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى