أهم الأخبارثقافة و فن

عودة الشّعر في أكاديمية الشعر العربي

 

“لن يتكرّر أيّ يوم

ليس ثمّة ليلتان متقاربتان

ولا قُبلتان هما نفسهما

ولا ذات النظرتين في العيون.”

هذا ما تقوله فيسوافا شيمبورسكا، و ما نحسّه جميعاً في حضرة النهايات؛ مزيج الفرح و الخوف المختبئين خلفها، هذا و غيره من المشاعر المتضاربة داهمتنا في حضرة الشعر، و في غمرة لقائنا الأخير من مقرر فنّ الإلقاء ضمن موادّ أكاديمية البابطين للشعر العربي، برعاية مشكورة من مؤسسة عبد العزيز  سعود البابطين الثقافية، و ليس بجديد عليها هذا الكرم.

ضيفنا الذي أسبغ على الأمسية فيضاً من الإحساس، راقبتهُ لحظاتٍ أثناء إلقاء نصّيه يغمض عينيه كلما  تذوق شيئاً على مائدة الحلم، رحت أغمض عينيّ، أقلّدهُ على الطرف الآخر علني أستطيع أن أرى ما رآه.

إنه الشاعر و الصحفيّ الطموح الأستاذ مهاب نصر، شاعر من مصر الجميلة له ديوانان : “أن يسرق طائرٌ عينيك”، “يا ربّ أعطنا كتاباً لنقرأ”، في سن مبكرة نشرت له نصوص عدة في مجلة الكرمل الفلسطينية  التي أسّسها الشاعر محمود درويش و عمل رئيس تحرير لها. دخل القاعة بابتسامة الواثق -رغم عدم  ملاءمة توقيت الدعوة- تاركاً أعباء العمل خارج حديقة فكره. حاوره الدكتور سلطان الحريري، فأجاب  بهدوء و استفاضة، مشبعاً فضول المنتسبين إلى الأكاديمية حول تجربته الشعرية، رأى بتواضعٍ أنه لا يمكن له أن يحدّد إن كانت هذي تجربة شعرية حقاً، فالحكم بكونه شاعراً هو حكم القارئ و المتلقي.

صافرة البداية:

اعتبر ديوان ابن زيدون شراك الشعر الأول الذي علق به، وجده في مكتبة والده فاستهوته قراءته، و ما فيه من سلاسة و عاطفة و عذوبة. في بدايات محاولاته الشعرية كتب الشعر العمودي متأثراً بقراءاته  لينطلق بعدها إلى عالم قصيدة النثر. و هنا استوقفه أحد الحاضرين بسؤاله عن سبب اختياره لقصيدة النثر، فأوضح الأستاذ مهاب أنه ليس من باب الهروب من الأوزان يكون دوماً توجه الشاعر إلى قصيدة النثر، إنما يجد نفسه في ذلك المكان، فيتخذه مقعداً تخرج فيه لغته بكامل حزنها و فرحها لتشي بما يكنّه الصّدر.

الأدب و اللغة: و حول اللغة و الأدب، و الكلمات و واقعها اليوم قال:

لو تأملنا النتاج الأدبيّ سنلاحظ أنّ البعض لجأ إلى قصيدة النثر ليحقق الفردية، لكنه يسير اليوم خلف القطيع؛ إذ تتشابه الموضوعات و الكلمات و التراكيب و الصور أحياناً. يخشى البعض أن تكون كلماته غريبةً أو جديدة على الأسماع فينساق خلف التقليد و يخسر لغته، لا ضرورة أن تخسر عدّتك في الكتابة  لتكون بسيطاً.

و الكلمات أياً كانت متشابهةً فلن يأتي فهمها متطابقاً عند المتلقين، سواء كانت في الشعر أو في الكلام العاديّ، سيّما و أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ قد أسهمت بتأصيل سوء الفهم، الذي يقودك أحياناً إلى الاختلاف مع الآخر، إذاً لابد من اختيار الكلمات التي تعبّر عما في دواخلنا بدقة فالأدب عماده اللغة.

فنّ الإلقاء:

كنت قبل اللقاء قد سمعت ثناءه على إلقاء بعض الشعراء، بسبب طبيعة أصواتهم التي تعدّ هبة ربانية، و زينة للشعر، فسألته كيف توصّل إلى الطريقة المثلى في إلقاء الشعر، و ما الوسائل التي اتبعها في التدريب على ذلك، فذكر أنه اعتمد فكرة تسجيل القصيدة ثم سماعها، و هي من الطرق التي يجدها البعض  بالفعل ناجعة، لمعرفة الأماكن التي على الشاعر أن يتنبه إليها أثناء إلقائه، في رفع الصوت أو خفضه أو غير ذلك من الفنيات.

أسمعَنا بعدها نصين حلّق فيهما عبر الموسيقا الداخلية، بهدوئه و صوته المترقرق كساقية عذبة، شدّ الأسماع و العيون، قرأ من ديوانه” يا رب أعطنا كتاباً لنقرأ” :

” مددنا أقدامنا في الشّمس

حافيين كصباح عطلة

في الملابس القصيرة أربع أذرع و أربع سيقان

و لا نعرفُ يا ملاكي

ماذا أصنع بكل هذا و لا كيف يفعل الآخرون

لنا كلامٌ

كلامٌ  يسير دائماً في الاتجاه الذي نخجل منه

و لا نستطيع أن نمدّ أيدينا أو نقول له ليس من هنا

و لا نريد ذلك في الحقيقة

لأننا ماذا أقول؟

نعرف كم هو مستحيل.”

أكاديمية الشعر العربي:

عبرت أمسيتنا مع الشاعر مهاب نصر لطيفة ماتعةً، و هذا بعض ما قدمته أكاديمية البابطين للشعر العربي، التابعة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية- كما ذكرنا- الرائدة في حماية الموروث اللغوي و الشعري، في زمن بات الشعر ينحسر فيه، لتطل اليابسة بعطشها و ترقبها غيثاً يُخشى طول انتظاره.

يدير الأكاديمية شابٌ يشتعل موهبةً و عملاً هو الأستاذ مناف عوض الكفري، تخرج في جامعة دمشق في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية و آدابها، حاصل على درجة دبلوم الدراسات العليا، ثم على درجة الماجستير في تخصص الشعر السياسي المعاصر، و يتابع دراسة الدكتوراه في التخصص نفسه.

تمنح هذي الأكاديمية الدبلوم في الإبداع الشعري بالتعاون مع الأكاديمية العالمية للشعر في فيرونا بإيطاليا، للمنتسب الذي يلتزم ساعات حضور محددة، ضمن مستويين الأول و الثاني، يدرس فيها، النحو و الصرف، البلاغة العربية ، العروض و علم القافية، تحليل النص الشعري، فنون الإلقاء و اتجاهات الشعر المعاصرو ظواهره. يقوم على تدريسها أكاديميون متخصصون أصحاب خبرة طويلة، كالدكتور سلطان الحريري، الدكتور عبد المقصود الخولي، الدكتور محمد حسان الطّيان، الدكتور عبد الله غليس. أعدّ كل منهم مذكرة خاصة بمادته الدراسية تم توزيعها على المنتسبين، و للمستويين. كما تطلّب الانتقال إلى المستوى الثاني

اختباراً في المواد التي داوم المنتسب على حضورها، بالإضافة إلى نقل المحاضرات و وضعها على يوتيوب لتعميم الفائدة على الجميع، و تهيئة الجو لعرض نتاج المنتسبين الشعريّ عبر أمسيات تقام في مقرّ الأكاديمية، بحضور الدكتور المشرف على فنون الإلقاء الدكتور سلطان الحريري، مع استضافة شعراء مميزين للاستمتاع بقصائدهم و اكتساب بعض خبراتهم.

في الذاكرة:

البعض كرّر سؤاله عليّ: لمَ ترتادين الأكاديمية مع أعباء العمل و الحياة، و أنت معلمة لغة عربية، ألا تعرفين هذي المعلومات؟

أحمد الله أني لا أتأثر بالإحباطات، و لا أفوّت فرصة للتعلم و الاستزادة، كما أؤمن بأن المياه التي لا تتحرك

تغدو عاجلاً أم آجلاً آسنة. شكراً لأكاديمية الشعر و للقائمين عليها، لضيوفها و شعرائها، لزملائي

و زميلاتي الذين أعتز بشهور أنيقة جميلة جمعتني بهم، و لا يسعني إلا أن أقول:

بي دمعة أن أترك البيت الذي                  فيه صقلت معارفي و علومي

لي صحبة بل إخوة أزهو بهم                  يبقون في الأسفار خير نجوم

قد نلتقي.. لكننا لن نفترق                        صرنا كعقد اللؤلؤ المنظوم

الشاعرة خولة سامي سليقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى