أهم الأخبار

يا سيدي..ألم أكن جميلة بما فيه الكفاية ؟؟ … بقلم سلوى معروف

عيناه ..عينا ظبيّ كُحّلا منذ الولادة

حنطيّ.. تغار الوسامة من سماره

نحيف الخصر..غصن بان..واثق الخطوة يمشي ملكاً

أنيق..أناقة عارض أزياء أخذ من الحداثة أجملها

عطورٌ تحبس الأنفاس لا تفارق حضوره..

تنظر إليه فيكون حكمك الأوليّ

“رجلٌ وسيمٌ، فتّان، بهيّ الطّلة، تلمس فيه نفحة تعجرُف غير متكلفة..لا يلتفت إلى من يمرّ بجانبه، غير مكترث لما يدور حوله، صامتٌ صمت تفكّر ”

 

يقف على شرفة منزله كل صباح..يتنشّق الهواء النقيّ

يقوم ببعض الحركات الرياضيّة البسيطة

على كرسيّ كبير من القش.. يجلس برصانة ..تأتيه الخادمة بفنجان القهوة..تضعه أمامه على طاولة صغيرة

إلى جانب الكرسيّ عودٌ..يضمه إلى حضنه..ويبدأ يدندن

يلعب على أوتار العود..يعاود المقطع مرات عديدة..كتلميذٍ يكرر درسه ليتقنه

يُنهي جلسته ..بأغنية لنجاة الصغيرة..

يدخل المنزل..يأخذ استحمام الصباح..بعدها إلى غرفة الملابس.

أربع حيطان اكتستها خزائن بنيّة اللون..

مجموعة ضخمة من القمصان والبناطيل والبدلات وربطات العنق والأحذية..والساعات

وكل ما يحتاجه رجلٌ أنيقٌ عصريّ

وُضع كل بنطال إلى جانب قميص وساعة وحذاء يتناسقون في اللون والمناسبة..

يتخذ متاع اليوم..

يرتدي ملابسه..يُسرّح شعره

مقعدٌ جلديّ خمريّ  وضع في وسط الغرفة ..يجلس عليه..يربط حذاءه بهدوء

إلى جانب المقعد ..طاولة من السنديان نُحتت على شكل زجاجة عطر..

تصطفُّ عليها أطيافٌ من زجاجات العطر..

يُمسك الواحدة تلو الأخرى..يقوم بفتح الغطاء..يمرر الزجاجة بمحاذاة أنفه..يُغمض عيناه..

كمن يشتمّ عبق الذاكرة بتمعّن

يقع إختياره على واحدة..يرشّ على قميصه ورقبته..ومعصميه

 

سائقٌ يعمل لديه..يسكن في إحدى غرف منزله الكثيرة..

ينتظره في السيارة.. أمام المنزل

الساعة التاسعة من كل صباح ..يصل إلى دار الموسيقى..

يدخل إلى قاعة..تنتشر فيها أشعة الشمس..فتضفي نوع من الدفء الطبيعي

عشرون تلميذاً بانتظاره..كلٌّ مستعد لضم عوده وبدء الدرس

الساعة الرابعة من كل يوم..السائق منتظر أمام المبنى..

يجلس في المقعد الخلفيّ وينطلقا

يمرا في الطريق على نهرٍ..

مقعد من الخشب القديم جلس ينتظر قدومه كل يوم..

يتلمسه كمن يلقي السلام ..باستسلام عاشقٍ للأمل

يستمع إلى خرير المياه..

زقزقة عصافير على شجرةٍ أصيلة بأصالة النهر..ممتدّة بجذورها وفروعها..تظلله من حرقة الشمس..

نصف ساعة ..يصعد السيارة ويتجها نحو المنزل

استحمامٌ ثانٍ..

إلى غرفة الطعام..

طبقين من الطعام..كوب عصير..وكوب ماء

ومن ثم قيلولة المساء..

السادسة والنصف مساءً..لا عقارب منبّه تدق..

يكتفي بمنبّهه الداخليّ..

يستيقظ..غرفة الملابس من جديد..إحدى الخزائن عُلقت فيها مجموعة من القمصان البيضاء وبناطيل الجينز..

يأخذ قميصاً وبنطالاً..يضع عطر المساء..

فنجان القهوة الثاني منتظرٌ في الصالة..

يقوم بتشغيل اسطوانة لفريد الأطرش..يرتشف قهوته..يناجي دقات قلبه..مناجات اعتاد عليها منذ الصغر..

الساعة السابعة..جرس المنزل يدق..

منسق الأزياء..

عشرون دقيقة..يتداولا تناسق الملابس وألوانها..جديد الموضة ..ما يناسب سهرة كل يوم..وما سيرتديه غداً

دقيقٌ في اختياراته..يهتم بتفاصيل الأمور..لديه رؤية خاصة للجمال والإتيكيت..

يرسم في خياله ..مشهد حضوره..وينقله للمنسق بكلمات مختصرة واضحة..بحرفيّة من ينحت الجمال

السابعة والنصف يدق جرس المنزل للمرة الثانية..موعد عمل..أحد المطربين أو المطربات الذين يلحّن لهم..

التاسعة والنصف..إن لم يكن لديه سهرة في الخارج..يأتيه صديق الطفولة..

على شاطئ البحر..تتحد سواعدهما ويفيض كل منهما بما يختلج به صدره..

ضحكات صادقة..تنبع من القلب ..يتردد صداها مع صدى الأمواج..

يمشيان على الرمال إلى أن تكلّ أقدامهما..

العودة إلى المنزل..يرفض صديقه توديعه أمام المبنى..ويصرّ كل مرةٍ أن تكون عبارة ” تصبح على خير” همساً على باب منزله

يرتدي ملابس النوم..يتوضأ..يدخل غرفة خُصصت للصلاة والاستماع إلى القرآن الكريم..

يصلي..يستمع إلى اسطوانة عبد الباسط..

كوبٌ من الماء..على يمين سريره..يرتشفه وهو يردد أذكار المساء..ويستكين إلى النوم

 

هي..فتاة في الثلاثين من العمر..تطغى أنوثتها على جمالها..لديها من الذكاء ما يُبهر ومن الرّقة ما يُسحر..

تحضّر رسالة الدكتوراه في “تأثير هَجر اللغة العربيّة على أخلاقيات العرب”..

تسكن مع والدتها وأختها في الشقّة المجاورة لشقّته..حيث تتجاور الشرفات..

وتخترق ذبذبات العود الجدران المتلاصقة..

تبدأ صباحها بشرب كوب من القهوة على الشرفة مع والدتها..

تستمع أذنيها إلى حديث أمها..ويستمع قلبها إلى عوده..تسترق بين حين وآخر..بعض النظرات على عجل..

الساعة الرابعة والخمسون دقيقة من عصر كل يوم ..تحرص على الانتظار إلى جانب المصعد..تنتظر عودته

مرتدية أثواباً تتآلف أناقتها مع احتشامها..عطرٌ عربيّ من العود..ترفض أن يغادر زينتها..

تفتح باب المصعد تدخل..يدخل خلفها..

مساء الخير..

يرد بكلمتين بنبرة رجل اختصر الرجولة بمعرفة حدوده..

مساء الخير..

يده على لوحة الأزرار..يسأل :أي رقم تودين أن أضغط عليه؟

العاشر من فضلك..وكانت تلك المرة الأخيرة التي يردد فيها هذا السؤال..

يصلا الطابق العاشر..يترك المصعد أولاً ومن ثم تتركه هي..

كلٌ إلى شقته..يتابع يومياته..

مشهدٌ يتكرر كل يوم..

تنتظر رؤيته..وينتظر عطرها..

تمر الأيام والأشهر ..لا جديد..

تحرص على انتقاء ثوبها بأحلام أنثى..ويحرص على استذكار عطرها..بذاكرة رجل

تتساءل لما لا ينظر إليها داخل المصعد..أيعقل أن جمالها المتواضع لم يكن لديه ذاك السحر المطلوب

أم أن عجرفة شموخه تمنعه من أن يُسعِد نظره بلمحاتٍ خاطفة..؟؟

رصانته..تثيرفيها الإعجاب المتزايد كل يوم..

أناقته..تلمس وحشة امرأة اتخذت من الكتاب جليساً..فذهبت سنوات العمر دون حبيب

ويوماً أهدتها صديقتها عطراً جميلاً..

فقررت أن تضعه لربما جلب لها قليلاً من الحظ..وتنازل السلطان عن سلطانه

ثوباً جديداً أنيقاً..عطراً حديث الولادة..أملاً كبيراً..أن تطال نظرته ركنها..أو على الأقل أن يضيف إلى تلك الكلمتين بعض الكلمات..

انتظرته كالعادة..

وصل ..دخلت المصعد دخل خلفها..

ثوانٍ..بدا على وجهه الانزعاج..

يصل المصعد ..يترك المصعد..

هي في حالة ارتباك..ربما حزن..يفوتها أن تترك المصعد

يدخل المنزل..

يتساءل ما بها؟

تنام ليلتها..تواسيها بعض الدموع..

تقرر أن لا تنتظره الأيام القليلة التالية..

ينتظر عطرها كل يوم ..دون جدوى

يتكرر سؤاله..  ما بها؟

تشتاقه..تضعف ..

ترتدي هذه المرة ثوباً أقل حشمةً..وتضع عطراً من عطور إختها..يتناسب مع عطر هذا الزمن

سلوك يخالف ما تؤمن به..

تنتظره قرب المصعد..يصل ..تدخل المصعد هذه المرة بخطوات خوف ..ماذا ستكون ردة فعله ؟

يدخل خلفها..ثوان يتكرر مشهد الانزعاج..

يثور حزنها..وتتأكد أنه غير مهتم..

يصل المصعد..يترك المصعد بمرارة

تلحق به..

سيدي :

يستدير نحوها..

ألم أكن جميلة بما فيه الكفاية؟؟

يبتسم..

اعذريني سيدتي..لم أشتم عطرك

بغضب…

لم تشتم عطري!!! ما رأتني عيناك ؟؟؟

لا يا سيدتي..فمنذ طفولتي..سرقت الحمى نور عيني

فصمتت..وبكت

 

سلوى معروف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى